وجوب النظر و الاستدلال

أول ما نبدأ كلامنا بمقدمة موجزة للشيخ الإمام أبو إسحاق بن علي بن يوسف الفيروزاابادي - رحمه الله - حيث قال :

فإني لما رأيت قوماً ينتحلون و ينتسبون إليه ، و هم من جهلهم لا يدرون ما هم عليه ، ينسبون إلى أهل الحق ما لا يعتقدونه ، و لا في كتاب هم يجدونه ، ليُنفّروا قلوب العامّة من الميل إليهم ، و يأمرونهم أبداً بتكفيرهم و لعنهم ، أحببت أن أشير إلى بُطلان ما يًُنسبُ إليهم بما أذكره من اعتقادهم .

فقد رُويَ عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال : " إذا لَعَنَ آخر هذه الامة أوَّلّها فَمَن كان عنده عِلْمٌ فليُظْهِرْهُ ، فإن كاتم العلم ككاتم ما أنزل الله عز و جل على محمد [ صلى الله عليه و سلم ] " .

وجوب النظر و الاستدلال

إن اول ما يجب على العاقل البالغ المكلف القصد إلى النظر و الاستدلال المْؤدّيين إلى معرفة الله عز و جل ، لأن الله عزّ و جل أمرنا بالعبادة فقال عزّ و جل :
( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [ سورة البينه : آية 5 ]

و العبادة لا تصح إلا بالنية لقوله عليه الصلاة و السلام : " إنما الاعمال بالنيات " . و النية هي القصد ، تقول العرب : " نواك الله بحفظه " أي قصدك الله بحفظه ، و قصد من لا يُعرف مُحال ، فدل وجوب النظر و الاستدلال .

و لأن ما لا يُتوصل إلى الواجب إلاّ به يكون واجباً كالواجب ، ألا ترى ان الصلاة لمّا كانت واجبة ثم لا يُتوصل إليها إلاّ بالطهارة صارت الطهارة واجبة كالواجب ، فكذلك أيضا في مسألتنا ، لأنه إذا كانت معرفة الرب عز و جل واجبة ، ثم بالتقليد لا يتوصل إليها ، دلّ على وجوب النظر و الإستدلال المؤديين إلى ذلك .

فقد امرنا الله عز و جل بذلك و دعانا إليه فقال عز و جل : ( قل انظروا ماذا في السموات و الأرض ) [ سورة يونس : آية 101 ]
( أفرأيتم ما تمنون أءنتم تخلقونه ام نحن الخالقون ) [ سورة الواقعة : آية 58 - 59 ]
( أفرأيتم الماء الذي تشربون أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ) [ سورة الواقعة : آية 68 - 69 ]
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت ) [ سورة الغاسية : آية 17 - 18 ]
و قال عزّ و جل إخباراُ عن ابراهيم عليه السلام : ( فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباُ قال هذا رب فلما أفل قال لا أحب الأفلين ) [سورة الانعام : آية 76 ]
و امرنا باتباعه فقال عزّو جل : ( فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفا ) [ سورة آل عمران : ىية 95 ]
(ملة أبيكم ابراهيم هم سماكم المسلمين ) [ سورة الحج : آية 76 ]

فمن أنكر النظر و الاستدلال لا يخلو إما أن ينكره بدليل ، أو بغير دليل ، او بالتقليد .
فإن انكره بغير دليل لا يقبل منه .
و إن أنكره بالتقليد فليس تقليد من قلده بأولى من تقليدنا .
و إن انكره بدليل ، فهم النظر و الاستدلال الذي انكره ، و النظر لا يزول بالمنكر ، فبطلت ، دعواه ثبت ما قلناه .

المصدر : الشيرازي ، أبي اسحاق ( 476 هـ ) ، الإشارة إلى مذهب الحق ، تحقيق ، الزبيدي ، محمد ، بيروت ، دار الكتاب العالمي ، ط1 ، 1419 هـ \ 1999 م ، ص 179 - 180 -181 - 182 - 183 - 184 ، عدد صفحات الكتاب [ 1- 383 ص ]


هذا كله يدل على وجوب النظر في هذا الكون و ليس المراد بالنظر الرؤيا بالعين بل التأمل بهذه المناظر العظيمة لندرك ان الذي خلقها هو الله عز و جل . و من هذا المنتطلق لا يجوز التقليد الأعمى في الإقرار بربوبية الله عز و جل ، و للأسف اليونرى الكثير من المسلمين يقلدون بعض العلماء او المشايخ ... تقليد أعمى دون ان يُعملوا عقولهم و هذا غير جاءز شرعاً .